الإهداء :
إلى كل الساهرين على مشعل النور ليضيئوا للأجيال طريق الهدى نتقدم بهذا البحث المتواضع والمتمثل في جزء من سيرة الصحابي الجليل أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ونرجوا أن يستفيد منه كل طالب معرفة، وكل من لم يطلع على سيرة هذا الصحابي الجليل، كما نهدي هذا البحث إلى كل الباحثين والمهتمين وكل الأساتذة الكرام عامة وإلى أستاذنا المحترم،
وأخيرا نشكر كل من ساهم في إنجاز هذا البحث
شكــــــــــرا
المقـــــدمــــــــــــــة
الحمد لله الذي أكرم الناس بسيد البرية محمد صلى الله عليه وسلم الذي بلغ الرسالة, وأدى الأمانة، ونصح الأمة وعمل على إخراج الناس من الظالمات إلى النور. وآمن به رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه... وأخلصوا لله ولرسوله في القول والعمل, وآثروا الآخرة على الدنيا, فابتغوا رضاء الله تعالى, والفوز بالجنة دار السعادة.
ومن هؤلاء المؤمن التقي,الثري الزاهد, الغني, الشاكر, المنفق المتصدق في سبيل الله تعالى.
آمن مع الرعيل الأول برسول الله صلى الله عليه وسلم, يوم أن صد عنه الكثيرون.
* صبر على أذى المشركين, ولم يبالوا بعذاب الدنيا.
* هاجر مع المؤمنين مرتين إلى الحبشة, ثم هاجر إلى المدينة المنورة.
* جاهد في سبيل الله تعالى بالنفس والمال, فشارك في بدر, وأحد, والمشاهد كلها.
وانفق ماله في كل مناسبة في حياته, وأوصى بالصدقات بعد موته.
*كان فقيها, فقد أفتى في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى الحديث النبوي الشريف,
تعــريف أبـو بــكـر:
هو عبد الله بن أبي قحافة، عثمان بن عامر بن كعب التيمي القريشي، أبو بكر ثاني اثنين إذ هما في الغار، الذي كان من رسول الله صلي الله عليه وسلم بمنزله سمعه وبصره.
ولقبه عتيق، لبشارة النبي صلي الله عليه وسلم إياه بأنه عتيق من النار وهذا هو الرأي الصحيح وقد كان رضي الله عنه أزهد الناس، وأكثرهم تواضعا في أخلا قه ولباسه ومطعمه ومشربه، وكان لبسه في خلافته الشملة والعباءة.
وقد ذكر ابن إسحاق أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أحق ما تقول قريش يا محمد من تركك آلهتنا وتسفيهك عقولنا، وتكفيرك آباءنا؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بلى، إني رسول الله ونبيه، بعثني لأبلغ رسالته وأدعوك إلى الله بالحق، أدعوك يا أبا بكر إلى الله وحده لا شريك له ولا تعبد غيره، وقرأ عليه القرآن فلم يقر ولم ينكر، فأسلم وكفر بالأصنام، ورجع أبو بكر وهو مؤمن مصدق. وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة فقد كان عاقلا حليما متزنا متناسق التكوين معتدل الملكات يستمتع بعقل راجع فيه من الفطنة والركانة ما فيه، فقد كان رضي الله عنه أقرب الناس من روح وقلب الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: (ما رأيت أحدا أفضل يدا في الصحبة عندي منه).
دعوته في الظهور في بداية الإسلام:
وقد روي عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها، قالت: لما اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا ثمانية وثلاثين رجلا ألح أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهور فقال: (يا أبا بكر إن قليل) فلم يزل أبو بكر يلح عليه حتى ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفرق المسلمون في نواحي المسجد كل رجل في عشيرته، وقام أبو بكر في الناس خطيبا ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فكان رضي الله عنه أول خطيب دعا إلى الله وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثار المشركون على أبي بكر، وضرب ضربا شديدا ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين، ويحرفهما لوجهه، ونزا على بطن أبي بكر حتى ما يعرف وجهه من أنفه، وجاء بنوتيم يسرعون فأجلت المشركون على أبي بكر وحملت بنوتيم أبا بكر في ثوب حتى ادخلوه منزله ولا يشكون في موته، ثم رجعت بنو تيم فدخلوا المسجد، وقالوا: والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة بن ربيعة، فرجعوا إلى أبي بكر فجعل أبو قحافة، وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى أجاب، وتكلم آخر النهار فقال: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فمسوا منه بألسنتهم ولاموه، ثم قاموا وقالوا لأمه أم الخير أنضري أن تطعميه شيئا أو تسقيه إياه فلما خلت به ألحت عليه وجعل يقول: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: والله مالي علم بصحابك، فقال: اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه.
شخصيتــــــــه
كان أبو بكر رجلا مألفا لقومه محبا سهلا، وكان أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بما كان فيها من خير وشر، وكان رجلا تاجرا ذا خلق معروف، وكان رجال قومه يأتونه، ويألفونه لغير واحد من الامر لعلمه وتجارته وحسن مجالسته، فجعل يدعوا إلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه على يديه فيمن بلغي الزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمان بن عوف رضي الله عنهم، فانطلقوا إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم أبو بكر فعرض عليهم الإسلام, وقرأ عليهم القرآن, وأنبأهم بحق الإسلام فآمنوا, وكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا إلي الإسلام صدقوا صلى الله عليه وسلم وآمنوا بما جاء من عند الله.
وكان أبو بكر في دقة تكوينه, ولطف خلقه, وكريم مهزته، شجاعا غير هياب ولا وجل، فقد أخرج البزاز في مسنده عن محمد بن عقيل عن علي رضي الله عنه أنه خطبهم فقال: يا أيها الناس, من أشع الناس؟ فقالوا: أنت يا أمير المؤمنين ، فقال: أما إني ما بارزني أحد إلا انتصفت منه، ولكن هو أبو بكر رضي الله عنه، إن جعلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشا، فقلنا: من يكون مع بكر شاهرا بالسيف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يهوا إليه أحد إلا أهوى إليه، فهذا أشجع الناس.
مرافقته للنبي صلى الله عليه وسلم لغار حراء
في اليوم الذي أتى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم دار أبي بكر رضي الله عنه أنهم مبيتوه إذا أمسى على فراشه، وخرج من تحت الليل هو وأبو بكر قبل الغار بثور – وهو ذلك الغار المذكور في القرآن – وعمد علي بن ابي طالب رضي الله عنه على فراشه يوارى عنه العيون، وبات المشركون من قريش يختلفون ويأتمرون أن نجثم على صاحب الفراش ونوثقه فكان ذلك حديثهم حتى أصبحوا. فإذا علي رضي الله عنه يقوم من الفراش فسأله عن النبيء صلى الله عليه وسلم فأخبرهم أنه لا علم له به، فعلموا عند ذلك أنه خرج، فركبوا في كل وجه يطلبونه، وبعثوا إلى أهل المياه يأمرونهم، ويجعلون لهم الجعل العظيم، وآتوا على ثور الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله حتى طلعوا فوقه، وسمع النبي صلى الله عليه وسلم أصواتهم فأشفق أبو بكر عند ذلك فأقبل على الهم والخوف، فعند ذلك قال الله النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحزن فإن الله معنا) ودعا فنزلت عليه سكينة من الله عز وجل { فأنزل سكينته على رسوله وعلى المؤمنين، وأنزل جنودا لم تروها، وجعل كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم}.
وقد مكثا في الغار يومين وليلتين، ثم انطلقا وانطلق معهما بعامر ابن فهيرة يحديهما ويخدمهما، ويعينهما ويتبعه أبو بكر ويعقبه على راحلته، ليس معه لأحد من الناس غير عامر ابن فهيرة غير أخي بن عدي يهديهم الطريق.
حرصه التام على سنة رسول الله
قد ورد عند الإسماعيلي عن عمر رضي الله عنه قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم أرتد من ارتد من العرب وقالوا لا نصلي ولا نزكي فأتيت أبا بكر رضي الله عنه فقلت يا خليفة رسول الله تألف الناس وارفق بهم فانهم بمنزلة الوحش فقال أخرت نصرتك وجئتني بخذلانك جبارا في الجاهلية خوارا في الإسلام ماذا خشيت أتألفهم بشعر مفتعل أو بسحر مفترى هيهات مضى النبي صلى الله عليه وسلم وانقطع الوحي والله لأجاهدنهم ما استمسك السيف في يدي وإن منعوني عقالا.
قال عمر رضي الله عنه: فوجدته في ذلك أمضى مني واعزم مني وآدب الناس على أمور هانت على كثير من مؤونتهم حين وليتهم، بصيرا بأدق الأمور، أريبا يستمع برجاحة عقل وفطنة وفهم، وزكانة فكر، وقد ورد عن إسحاق بن يسار في قصة خالد بن الوليد رضي الله عنه حين خرج من اليمامة، قال: فكتب أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى خالد بن الوليد وهو باليمامة: (عن عبد الله أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم،إلى خالد بن الوليد والذي معه من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، سلام عليكم، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فالحمد لله الذي أنجز وعده، ونصر عبده وأعز وليه وأذل عدوه وغلب الأحزاب فردا)
فقد كان أبو بكر رضي الله عنه حريصا على الإستناس بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن ليتحول عنها، أو يتنكبها أو يعج عن جادتها إنما عض عليها بالنواجد، ولم يبلغ وصف إياه مثل الذي وصفته به السيدة أم سلمة رضي الله عنها أنه كان " خدنا لمحمد صلى الله عليه وسلم وصفيا له".
فأبا بكر الصديق رضي الله عنه كما قلنا هو أحد العشرة المبشرين بالجنة فقد كان أبو بكر رضي الله عنه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم طرازا ونموذجا للحدب والشفقة والرحمة والعطف، لكنه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم تغيرت معالم شخصيته وسماتها إذ تحول إلى شخصية صلبة حازمة أشد الحزم، لا يقبل مهادنة أو صلحا مع المرتدين الذين خربت صدورهم، وتحولت عقائدهم، واستسلموا لنزوات الشيطان، كذلك أخذ المتنبئين أخذة رابية لم يكن لها بديل، أو عنها بد، ولولا قوة الحزم في مثل هذه المواقف لكسرت شوكة الاسلام، وتفرق المسلمون أيدي سبأ.
كذلك كان الأمر بالنسبة لعمر رضي الله عنه فقد كان شديدا في الجاهلية، صارما في فجر الاسلام وفي حياة النبي صلى الله عليه وسلم، لكن بعد انتقاله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، أصبح لين الجانب أكثر وأكثر، وأميل للين والهوادة والترفق والتلطف، وفي هذا التغير المزاجي لكل من الذاتين العظيمتين ضرورة محتومة لا بد من وجودها
الخـــــــــــــــــــاتمة
كان رضي الله عنه مؤمنا صالحا ينبع صلاحه من قلب ممتلئ بنور الإيمان، والصدق، والثبات، واليقين.... فقد صدق ما عاهد الله عليه، وثبت على الحق، وتصدق بحر ماله وصمد أمام العدو في ساعات العسر والشدة.
فقد كان أبو بكر رحمه الله يردد في نفسه دائما قول زيد بن عمرو بن نفيل:
أربــا واحــــــدا أم ألـف رب أديــن إذا تقسمــت الأمـــور؟؟
وحينا آخر يردد قول أمية بن أبي الصلت:
ألا نبــي لنـــا منــا فيخبـرنــا ما بعد غايتنا من رأس مجرانا
إني يعوذ بمن حج الحجيج له والرافعيـن لديــن الله أركانـــا
وهو لا ينسى أبدا مقولة قس بن ساعدة الإيادي ملوحا بذراعه في الأفق وهو يقسم بربه ليبلغن الكتاب أجله.
ولا بد أن يبلغ الكتاب أجله.
هذا هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وهذا معدنه، وهذا طرازه الفريد وتكوينه التقي النقي الذي نصر الله به أمة الاسلام، وما هذه الصفحات إلا شذرات بيض صفحاته التي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتولى مكافأته عليها.
بعض من حكم أبو بكر الصديق
قد سبق أن قلنا أن أبا بكر عزوفا عن الحديث والرواية فلم يكن مكثارا في القول كحطاب الليل ومع ذلك فقد أثار عنه الكثير من الحكم الغالية النفيسة، والخطب الجامعة الفريدة، نذكر منها ما أخرجه ابن ساعد والمحاملي وغيرهما عن عروة قال: لما ولي أبو بكر خطب الناس فحمد الله وثنى عليه ثم قال: أما بعد أيها الناس قد وليت أمركم ولست بخيركم ولكن نزل القرآن وسن النبي صلى الله عليه وسلم السنن فعلمنا أن أكيس الكيس التقي وأن أحمق الحمق الفجور وأن أقواكم عندي الضعيف، حتى آخذ به بالحق وأن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق، أيها الناس إنما أنا متبع ولست بمبتدع فإن أحسنت فأعينوني وإن زغت فقوموني، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
وقد أخرج الترميذي في صحيحه عن أبي بكر رضي الله عنه انه قام على المنبر ثم بكى فقال (( سلوا الله العفو والعافية فغن أحدكم لم يعط بعد التعيين خيرا من العافية )).
وأبا بكر رضي الله عنه أيضا هو الذي وقف وقال:
أما بعد! فإني أوصيكم بتقوى الله، وأن تثنوا عليه بما هو أهله، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة وتجمعوا الإلحاف بالمسألة.
موضوع: ابو بكر الصديق